لم يعد خافياً اليوم، أنّ الشركات الربحية حول العالم تحمل على عاتقها مسؤولية كبيرة تجاه مجتمعاتها. وضمن هذا الإطار، فإن الكثير من الشركات العالمية المرموقة تتنافس فيما بينها في ساحة الأعمال الخيرية والتنموية، من خلال مساهماتها فيدعم المبادرات المجتمعية والمشاريع الإنسانية، وقد بلغ إجمالي ما دفعته الشركات للأعمال الخيرية حول العالم في عام 2015 -بحسب عدة مصادر-حوالي 5 مليارات دولار،الأمر الذي يؤكّد حرصها على أن تكون جزءاً فاعلاً من النسيج المجتمعي.

لقد عملت الحكومات في الدول المتقدمة على حث شركات القطاع الخاص لأداء دورها تجاه المجتمع. وضمن هذا السياق، جاءت استراتيجية (عام الخير) التي أطلقها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة -حفظه الله- ووجّه بتنفيذها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي -رعاه الله- تأكيداً على أنّ الخير الحقيقي يتمثلفي التكافل المجتمعي وبأن السعي إلى إحداث الفارق في حياة الفرد والمجتمع هو الغاية الأسمى التي ينبغي أن نسعى إليهاوصولاً إلى مجتمع متكافلٍ ومستدام.

إن معظم المشاريع والمبادارت الخيرية كانت ولازالت تعاني من الانقطاع وغياب الاستدامة، فضلاً عن تزايد الاحتياجات والمحتاجين باستمرار، الأمر الذي يفرض على هذا القائمين على هذا  العملأن يكونوا أكثر مرونةً وأن ينظروا إلى الأمر من منظور استراتيجيمن خلال خلق شراكات بين القطاع الخاص والجهات المشرفة على الأعمال الخيرية، بهدف إثراء وتعزيز تجارب المسؤولية الاجتماعية للشركات، والتي تحتاج إلى أن تكون أكثر إبداعاً لضمان تحقيق أفضل النتائج والوصول إلىالأهداف المنشودة.

 

ومع تصاعد أهمية الجانب الخيري والمسؤولية الاجتماعية،فقد بدأت المؤسسات الحكومية والخاصة بالتنافس في هذا المجال، من خلال إطلاق مبادرات ومشاريع مبتكرة تسعى من خلالها إلى أن تكون قدوة حسنة لغيرها من المؤسسات، حيث قامت وزارة المالية بدولة الإمارات على إعداد وتطوير دليل خاص للمسؤولية الاجتماعية، بناءً على المواصفة القياسية للمسؤولية الاجتماعية (آيزو 26000) ويهدف هذا الدليل إلى وضع معاييرعلمية دقيقة في العمل الخيري بما يتوافق مع أنشطة المؤسسات وقراراتها.

وعلى ذات النهج، قامت عدد من الجهات بإطلاق مجموعة من المبادرات نذكرمنها على سبيل المثال لا الحصر، مبادرات جامعة أبوظبي التي شملت على تقديم 60 مبادرة علمية ومجتمعية وثقافية وتطوعية، ضمن استراتيجية الجامعة لعام الخير 2017، وبرنامج "فيكم الخير" الذي أطلقه مجلس أبوظبي للتخطيط العمراني ضمن استراتيجية "عام الخير"،والذي شاركت في تمويله 9 شركات تطوير عقاري في إمارة أبوظبي، بحوالي 323 مليون درهم، لبناء مرافق مجتمعية متنوّعة.

إن استراتيجيات القطاع الخاص في العمل الخيريقد تختلفباختلاف الجهات الراعية لها، فبعض تلك المبادرات قد تتكامل مع مبادرات تشرف عليها الجهات الحكومية، والبعض الآخر قد تمتد نحو آفاقٍ أوسع من ذلك، مثل مبادراتبعض المجهات الخاصة والشركات العائليةوالتي تعمل من خلال إنشاء مؤسسات وصناديق خاصة لإدارة المشاريعالخيرية الخاصة بها، وجميعها تصب في مصلحة المجتمع والوطن وهو الهدف الأسمى الذي نسعى إليه جميعاً.

ولعلنا نستشهد بعملاق التكنولوجيا العالمي، مؤسس موقع فيسبوك مارك زوكربرغ وزوجته، اللذان تبرعا بـ99% من ثروتهما لتمويل جمعيتهما للأعمال الخيرية "تشان زوكربرغ"، ولاننسى بيل غيتس وزوجته ميليندا، اللذان تفرغا لمؤسستهما الخيرية منذ سنوات، كما أنهناك العديد من التجارب المحلية الرائدة في هذا المجال، كمؤسسة طيران الإمارات الخيرية، التي تعمل باستقلال عن المؤسسة الأم، بهدف  محاربة الفقر ورفع مستوى حياة الأطفال في العالم، ومؤسسة عبدالله الغرير للتعليمالتي تعتبر أحد أكبر مبادرات القطاع الخاص الخيرية في مجال التعليم على مستوى العالم.