استطاعت دولة الإمارات الانتقال بالنظام التعليمي من عصر الكتاتيب إلى بلوغ عصر مدارس المستقبل أو مايسمى بالمدرسة الإماراتية، في رحلة يقارب عمرها الفعلي النصف قرن فقط.
وكان أساس تلك الانطلاقة مقولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات "إن رصيد أي أمة متقدمة هو أبناؤها المتعلمون وأن تقدم الشعوب والأمم إنما يقاس بمستوى التعليم وانتشاره".


المدرسة الإماراتية قديماً
في المرحلة التي سبقت قيام الاتحاد عام 1971، كان هناك بضع مدارس لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، أي أنّ نسبة الذين كانوا يقرأون ويكتبون لا تزيد على خمس عدد السكان حينها.
ويعتبر نظام الكتاتيب وحلقات العلم أول الأنظمة التعليمية التي ظهرت في الإمارات وصنعت البداية، حيث كان تعليم الطلبة يتم فيها للتعريف بالقراءة والكتابة والقرآن الكريم والأحاديث النبوية.
وانتقلت الإمارات فيما بعد إلى التعليم شبه النظامي ثم النظامي، ليبدأ افتتاح المدارس واستقدام العلماء لإدارتها والتعليم فيها، ويصبح التعليم منظماً بفصول ومقررات، إلى جانب منح الطالب شهادة دراسة في نهاية العام الدراسي.
أما الانطلاقة الحقيقية في التعليم الإماراتي كانت بقيام الاتحاد، حينما تأسست وزارة التربية والتعليم وتطور التعليم والمناهج الدراسية وأساليب التدريس، ورغم ذلك لم يخلو الأمر من بعض الصعوبات، ممثلة بعدد الطلاب القليل الذي لم يكن يتجاوز 28 ألفاً، وصعوبة المواصلات، إضافة إلى اضطرار من يرغب في إتمام تعليمه بعد الثانوية بالابتعاث إلى الخارج الدولة.

 

جهود تؤتي ثمارها
وبعد عامين فقط من قيام الاتحاد، كانت وزارة التربية والتعليم تدير 110 مدارس تضم 40 ألف تلميذ، واستمر تطوير التعليم حتى وصلت نسبة الأمية في الدولة إلى 1% فقط، بحسب معهد الإحصاءات التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونيسكو" عام 2014.
وعملت الحكومة الإماراتية فيما بعد على نقل المعرفة الذكية التي تبنتها في وزاراتها إلى النظام التعليمي، وخاصة حينما طبقت وزارة التربية والتعليم "نظام ألف التعليمي" ضمن 10 مدارس حكومية في أبوظبي اعتباراً من سبتمبر (أيلول) 2018 كمرحلة أولى.
ويعمل نظام ألف على تحويل العملية التعليمية من النموذج التقليدي إلى نموذج يتمحور حول الطالب نفسه، ويصبح دور المعلم مساعداً وموجهاً بدلاً من ملقن، باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الصفوف الدراسية.
وبات تفوق طلاب الإمارات كل عام، أحد مخرجات العملية التعليمية التي أولتها حكومة الإمارات اهتماماً خاصاً، كالشابة الإماراتية أريام خليفة الكعبي حيث حصلت خلال العام الدراسي الماضي على المركز الأول في الثانوية العامة بمعدل 99.3%.

 

المدرسة الإماراتية مستقبلاً
ولم تكتف حكومة الإمارات بالجهود المبذولة لتطوير المدرسة الإماراتية في المرحلة الراهنة، بل بدأت بتخيل شكل مدارسها في المستقبل من الآن، هادفةً إلى إخراج التعليم بشكله التقليدي من جميع مدارس الدولة.
وتتجه المدارس الحكومية في الدولة لكي تصبح افتراضية، لا تعترف بالمكان والزمان ولا تضم كتب أو أوراق، بل ستعتمد على حواسيب لوحية أو محمولة متصلة بالإنترنت لكافة الطلبة والمعلمين، وفق ما أكده تربويون ومختصون في تكنولوجيا التعليم، مرجحين أن يتم ذلك بعد نحو عقد من الزمن أي في غضون 10 أعوام، خصوصاً في ظل التحول التدريجي الذي تشهده المدارس نحو التعلم الذكي.
في هذا السياق يبدو اهتمام القيادة الإمارتية في العملية التعليمية واسع النطاق، حيث أعلن سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عبر تويتر عن إطلاق الجيل الجديد من مدارس الدولة، وذكر أن "اجيالنا القادمة بحاجة لفكر مختلف وأدوات جديدة للمستقبل" وهذا ما ظهر واضحًا من خلال مختبرات التصميم والروبوتات والذكاء الصناعي التي أدخلت إلى المدارس الحديثة، والتي من المفترض ان تكلف المجموعة الأولى منها مليار ونصف المليار درهم بحسب تغريدات صاحب السمو عبر تويتر.
كما ترجم قرار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بتعيين سمو الشيخ ذياب بن محمد رئيساً لهيئة الطفولة المبكرة في إمارة أبوظبي رؤية ثاقبة للقيادة الرشيدة في النهوض بأطفال اليوم بإعتبارهم قادة الغد.
واعتمد المختصون في توقعاتهم لشكل مدارس الإمارات في المستقبل على ما جاءت به الأجندة الوطنية لرؤية 2021، والتي ركزت على تطوير نظام تعليمي رفيع المستوى، بحيث تكون جميع المدارس والجامعات مجهزة بالأجهزة والأنظمة الذكية، وأن تكون المناهج والمشاريع والأبحاث عبر هذه الأنظمة.
كما تتطلع الأجندة الوطنية لكي يصبح طلبة الإمارات ضمن أفضل طلبة العالم في اختبارات تقييم المعرفة والمهارات في القراءة والرياضيات والعلوم، إضافة إلى رفع نسبة التخرج من المرحلة الثانوية بما يتناسب مع المعدلات العالمية.