هنا علىأرض الإمارات تتحقق الأحلام ويصنع المستقبل، حيث لايُعرف المستحيل. هذه هي الإمارات -وكعادتها- سباقة في استشراف المستقبل، تبهر العالم كل يوم برسوخ تسامحها وتمكن ريادتها من نشر قيم الخير والمحبة والسلام للبشرية دون نظر لدين أو جنس أو لغة.

هذه المشاعر هي خلاصة تأملات فكرية لمن عايش الحدث العالمي البارز الذي احتضنته دولة الإمارات وتحديداً في إمارة دبي يوم الأحد 12 فبراير وحتى الثلاثاء 14 فبراير، حيث انطلقتفعاليات القمة العالمية للحكومات 2017 تحت رعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله.

لقد مثلت هذه القمة إحدى المظاهر التي تُعبر عن الإرادة الراسخة لدولة الإمارات العربية المتحدة وسعيها الدؤوب إلى تحقيق التنمية والتطوير وسعادة الإنسان، كما عززت من رسالتها الرامية إلى نشر السلام وتعزيز الاستقرار والأمن في العالم، فحظيت القمة باهتمام عالمي منقطع النظيروشهدت مشاركة أكثر من 4000 ضيفاً من قادة وزعماء العالم وعدداً من المفكرين والمبدعين الذين التقوا في رحاب الإمارات، يتشاركون الرؤى والأفكار والإبداعات وكل ما من شأنه أن يخدم الإنسانية.

وفي هذا الإطار، ألقى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد كلمة جامعة، شكلت في مضموونها خارطة طريقٍ لترسيخ دعائم وأسس التنمية ليس فقط على المستوى العربي والإقليمي وإنما على المستوى العالمي، حيث تضمنت منظومة متكاملة من المفاهيم التي تعزز منالركائز الحضارية وتجعل سعادة الإنسان محوراً للتنمية، ولقد كانت كلمات سموه سباقة كعادتها في تشخيص التحديات، رسم الآليات ووضع الحلول، واستشراف النتائج، ولُخِّص هذا المفهموم حين أشار سموه في معرض كلمته الافتتاحية قائلاً "إن أهم التطورات التي تحدث في الدولة هي تلك التي تنعكس على شعبها". لقد عُرف سموه بشغفه الدؤوب، لدمج الحداثة بالأصالة والبحث عن الابتكار لتعزيز الإدارة الرشيدة وإسعاد الناس،ولتحقيق هذه الغايات، أطلق سموه هذه المنصة العالمية التي جمعت صناع القرار في العالم من كبار الزعماء والقادة التنفيذيين والمفكرين ورجال الأعمال ومختلف الشرائح الفكرية، بهدف تفعيل الحوار بين الدول العربية والعالم لإحياء وتفعيل الحراك التنموي على الصعيدين الإقليمي والدولي مع وضع الإنسان ورخائه على قائمة الأولويات.

إن تصدر محور التعليم جدول أعمال القمة، يعكس أهمية هذا المحور كونه أساساً لبناء الحضارات، ولعلنا نستذكر هنا، خطاب البروفيسور كلاوس شواب، المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس"حين قال"إذا أردنا أن نمضي قدماً، فنحن بحاجة إلى نظامٍ جديدٍ تماماً، حيث يكون الإنسان محوره الأهم والتقدم الاجتماعي هو مفتاحه" ولقد كان جلياً إجماع الحضور على أن التنمية المجتمعية غير ممكنة دون السعي نحو إصلاح شامل لمنظومة التعليم وتغيير نهج العلم والمعرفة، بالإضافة إلى إعادة توجيه نماذج ومفردات التعليم بهدف الحفاظ على العنصر البشري في سوق العمل الذي بات يشهد تغيراً جذرياً في ظل دخول التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي عليها، وقد وجه المتحدثون في هذا المحور أيضاً إلى التركيز على إتقان مهارات المستقبل الأساسية المتمثلة في فهم البيانات الكمية والقدرة على تحليل معطياتها وتوظيفها لخدمة الإنسان.

 

ولعل من أهم قضايا التعليم التي أثيرت خلال القمة هو التعليم التقليدي وأثره السلبي على الجيل الجديد، حيث يشيرالدكتور سكوت كوفمان"أن نظام التعليم التقليدي يسحق ويعوق الموهبة والخيال لدى الطفل وبالتالي فهو يَحُول دون الابتكار والتطوير". إنني أُؤَيد فكرة الدكتور كوفمان التي تنادي بدمج التعليم الأكاديمي مع شخصية الطالب، في نظامٍ تعليميٍّ تفاعليٍّ، يخلق تفاعلاً ديناميكياً إيجابياً يشجع الطلبة على الانخراط في المنهاج وينمي شغفهم للعلم والمعرفة، بما يضمن استدامة التعليم واستمراره بعد إتمام المرحلة الأكاديمية. إن إطلاق العنان لخيال الطفل هو العامل الأهم في معادلة الابتكار، لذا بات من الضروري على المعنيين تجنب المناهج الجامدة التي لا تقبل التنقيح وإعادة النظر.

ولم تغفل القمة توجيه بعض الرسائل الإيجابية التي تحفز العاملين في ميدان التعليم على التميز، فقد تم تكريم المعلّمة المتميزة في الدولة، كما تم استعراض بعض التجارب العالمية التي تعلي من التفكير الموضوعي وتكرس الإبداع، في دلالات معبرة عن تميز صناعة فرق عمل تؤمن بالتكامل والعمل بروح الفريق.

إن البحث والفضول غريزتان بشريتان وهما من أهم الموارد التي تُغذي الابتكار وفضلاً عن ذلك، فإن الابتكار مقترن بالسعادة. من هنا تبرز أهمية رؤية القيادة الرشيدة لدولة الإمارات العربية المتحدة التي وضعت"السعادة" هدفاً استراتيجياً وموضوعاً للحوار العالمي، وقد أعدت حكومة الإمارات الخطط للتكيف مع المتغيرات التي يشهدها العالم بل إن الإمارات سبقت ذلك وخطت نحو الوصول إلى كوكب المريخ في عزيمة وإصرار وأمل ليس غريباً عليها،وهذا ما شعرنا به جميعاً لحظة إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة عن مشروع دولة الإمارات لإيصال البشر إلى كوكب المريخ في عام 2117.

ختاماً يمكن القول بأن أحداث وفعاليات القمة ما هي سوى استراتيجية شاملة للانتقال من ترجمة الطموح إلى العمل، فهي خطة عمل متكاملة، تهدف إلى استئناف الحضارة في المنطقة العربية وتعزز من تبادل المعرفة والخبرات، وكما أوضح صاحب السمو الشيخ محمد بقوله: “ إن مشكلات العالم لا تتوقف.. ويجب أن نستمر بالنمو ونجتهد لمصلحة شعبنا وبلدنا ..نتعلم جديداً كل يوم.. ولا نضيع الوقت أبداً.. وتجربة الإمارات تعبّر عن نفسها ونقدمها لمن يريد الاستفادة". لقد تجاوزت الإمارات في رؤيتها حدود الجغرافيا الملتهبة في المنطقة ومدت بصيرتها للخير والسلام مؤمنة بقدرتها علىإحداث الفرق في صناعة مستقبلٍ أفضل للعالم، وهو أمرٌ ليس بغريبٍ عليها، فقد ألفت صناعة الحضارة،وعملت على نشر السعادة، وتلك هي رسالتها للعالم أجمع.