مواكبة التغيير واستشراف المستقبل واكتشافه. بات الشغل الشاغل لدولة الإمارات التي تسعى لإحداث نقلة نوعية في العالم، وهذا ليس بجديد. فمنذ تأسيس الدولة عمل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان –طيب الله ثراه - على البناء والتطوير والتحديث، وبفضل رؤيته الحكيمة والثاقبة باتت الدولة منبراً للتنمية والنهضة ومركزاً للأعمال الناجحة والمتقدمة في مختلف الميادين.
وركزت سياسة المغفور له على الرفاهية الاجتماعية، والوحدة السياسية والحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية، وآمن أن الإنسان أساس ازدهار الدولة، وأن المستقبل يقوم على إعداد جيل واعي ومثقف قادر على مواجهة تحديات الحياة، فأحدث تطوراً كبيراً في مجال التعليم لتصبح الإمارات اليوم منبراً للعلم والتنوير.
وباتت هذه المهمة أصعب مع تسارع وتيرة التغيير في العالم وتحوّل التكنولوجيا إلى القطاع الأهم لرقي وتطور الدول، وعليه انطلقت الإمارات بعيداً عن ميدان النفط والغاز، واتجهت لتبني تقنيات جديدة مثل التصنيع الرقمي، والطباعة الثلاثية الأبعاد، والروبوتات والذكاء الاصطناعي والسيارات ذاتية القيادة وغيرها.
ليشكل ذلك دعامة أساسية لـ"الثورة الصناعية الرابعة" كمسار تنموي جديد قائم على الدمج بين التقنيات المادية والرقمية والحيوية، ما يحقق هدف الإمارات بأن تصبح نموذجاً عالمياً رائداً في استشراف المستقبل، وتطويع التقنيات والأدوات التي توفرها الثورة الجديدة لخدمة المجتمع وتحقيق السعادة لأفراده.
لقد كانت الإمارات أول من وضع استراتيجية لتبني الثورة الصناعية الرابعة، وتشكيل مجلس لها، وتحويل الدولة إلى مختبر عالمي مفتوح وتشكيل حكومة تضم وزراء للذكاء الاصطناعي، وإطلاق بروتوكول خاص بالثورة الجديدة بالشراكة مع المنتدى الاقتصادي العالمي لبناء إطار تنظيمي يتبنى أدوات وتقنيات هذه المرحلة المهمة من مستقبل الإنسان.
وتستهدف الدولة من خلال هذه الخطوات إلى تحسين مستوى الرعاية الصحية عبر دعم الخطط والاستراتيجيات في مجال طب الجينوم والاستفادة من الروبوتات وتكنولوجيا النانو، وكذلك توظيف علوم الهندسة الحيوية والتكنولوجيا المتقدمة للطاقة المتجددة للحفاظ على منظومة الأمن المائي والغذائي.
ومع إدراك أهمية التوجه نحو الاقتصاد الرقمي وتبني تكنولوجيا التعاملات الرقمية، أطلقت الإمارات استراتيجية للتعاملات الرقمية "بلوك تشين"، لضمان عمليات أعلى كفاءة مع ضمان النزاهة والثقة، وتمكين الأفراد من التحكم بمعلوماتهم ومعاملاتهم.
إن بلوغ جميع هذه الأهداف يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتحسين مخرجات قطاع التعليم وإعداد "إنسان المستقبل" المثقف والمُدرك لأهمية عالم التكنولوجيا والعلوم المتقدمة، ومع قدوم ثورة صناعية جديدة تُقرّب العالمين المادي والبشري بات من الضروري تحقيق قفزة في التعليم واكتساب مهارات التفكير النقدي والمرونة والقدرة على التكيف والإبداع وتوسيع الآفاق والسعي للتميز، لتأهيل أفراد المجتمع الإماراتى ليصبحوا روّاداً فى تصدير العلوم عالمياً.
ومع التسلح بهذه المهارات الجديدة لن يجد الأفراد مشكلة في الانضمام إلى سوق العمل رغم دخول الروبوتات في جميع القطاعات، فلا يزال رأس المال البشري هو العامل الرئيسى في الثورة الصناعية الرابعة، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الإمارات تشغل حالياً المرتبة الأولى عربياً والخامسة والأربعين عالمياً في مؤشر رأس المال البشري.
وبفضل الجهود المستمرة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، حاكم دبي -رعاه الله- وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ستتمكن الإمارات من تحقيق نقلات نوعية نحو المجتمع المعرفي والثورة الصناعية الرابعة القائمة على التقنية والبيانات، فالبداية كانت مع تحديد ملامح هذه النقلة التي ستساهم حتى 2020 في خفض النفقات الحكومية بنحو ثلاثة مليارات دولار كمرحلة أولى، لتشهد المرحلة التي تليها تبني مبادرات مبتكرة جديدة.
أخيراً فإن الثورة الصناعية الرابعة فرصة الإمارات لصناعة الحياة والحضارة والتسامح والسعادة والأمل، وبلا شك ستكون قادرة على مواجهة تحديات المستقبل، فطموحها الذي لامس حدود الفضاء باستكشاف المريخ والكواكب الأخرى لن يُثنيها عن مواصلة تحقيق المزيد من الإنجازات على الأرض .